خالد ذهني

عابر سبيل

“بيچامة” في إمبابة – قصة قصيرة

 مقدمة

 حي إمبابة ، أو جمهورية إمبابة كما يطلق عليه سكانه هو أحد  أهم أحياء محافظة الجيزة بمصر وأكثرها كثافة سكانية ليس على مستوى الجيزة فحسب ولكن على مستوى الجمهورية بأكملها حيث يعد هذا الحي مركزا للنازحين من الريف الى القاهرة خاصة أبناء الوجه القبلي لقربه من العاصمة ورخص القيمة الايجارية به وانخفاض مستوى المعيشة وتناسبها مع امكانيات ودخول المهاجرين. تقع امبابة على الضفة الغربية من النيل في مواجهة جزيرة الزمالك في الجزء الواقع بين كوبري الزمالك وكوبري امبابة وصوامع الغلا. تشير نتائج دراسة للمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بالقاهرة على أن نسبة الموظفين من أرباب الأسر تبلغ 27% والحرفيين 20% والعمال 21% ومن يعملون لحسابهم 16% وأن غالبية أرباب الأسر من متوسطي الدخل  مع ارتفاع نسبة الزوجات صغيرات السن ويبلغ متوسط معدلات الانجاب ما بين أربعة وخمسة أطفال وزيادة نسبة عمالة الأطفال تحت سن 15 سنة، كما أن أكثر من ثلث الأطفال بالمنطقة ليسوا تلاميذ بالمدارس. كما أكدت الدراسة على أن امبابة تعاني العديد من المشاكل من أهمها عدم توافر الخدمات الضرورية للحياة كالمرافق الصحية والمياه النقية والاضاءة حيث أن 17% من سكان المنطقة يعيشون في مساكن مشتركة حيث تتعدد وظائف الغرفة الواحدة حيث تستخدم للنوم وطهي الطعام والاستحمام وبسبب ضيق حيز الفراغ داخلها مما يدفع أفرادها لقضاء الجانب الأكبر من وقت فراغهم خارج المسكن خاصة وأن هذه المساكن قد تم تشييدها عشوائيا وفقا للاجتهادات والرغبات العائلية وبما يتنافى مع هندسة المباني الأمر الذي أدى الى عدم الاستثمار الصحيح لوقت الفراغ حيث يحتل الناس الشوارع بنسبة 43% و12% يشغلون المقاهي و20% يلعبون الكرة في الشوارع. وهكذا تحولت امبابة في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات الى احدى أهم البؤر الارهابية القريبة من العاصمة السياسية لمصر وكانت البداية احتضان منطقة امبابة للعناصر الارهابية التي فرت من الوجه القبلي وساعدهم على ممارسة نشاطهم طبيعة مناطق امبابة العشوائية المعدومة المرافق والخدمات مثل المنيرة الغربية والشرقية والوحدة ومصنع الكراسي والمطار وغيرها من العشوائيات بالمنطقة والتي يصعب اختراقها إلا سيرا على الأقدام مما ساعد على سرعة نمو الجماعات الارهابية بداخلها متحصنين بطبيعة المنطقة وبأهلها محدودي الثقافة وأصبحت امبابة كلها منطقة ساخنة يخشى الاقتراب منها وبذلك تحولت امبابة الى ملجأ الاجرام الأول في مصر لدرجة أن الشيخ جابر أعلن في أواخر عام 1992 امبابة دولة مستقلة يحكمها الأخوة وارسل الخبر الى وكالات الأنباء والصحافة العالمية وهنا قررت وزارة الداخلية التعامل مع هذا الحي الذي سجل أعلى معدل للجريمة في مصر بجدية وتم اعداد خطة تبدأ بفرض حصار على مداخل ومخارج امبابة ثم المداهمة من الداخل وذلك في أكبر حملة أمنية لوزارة الداخلية شاركت فيها كافة الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية وأكثر من 10 آلاف جندي وانتهت تلك الحملة بعد حصار استمر اسبوعين بالقبض على الشيخ جابر وفحص أكثر من 5 آلاف مشتبه سياسي وجنائي

 بيچامة في إمبابة – قصة قصيرة

علي احد مقاهي الحي العتيق اجتمع أربعة رجال وانهمكوا في حديث هامس وقد دسوا رؤوسهم في رؤوس بعض. قطع حديثهم إقتراب النادل منهم ليغير حجر دخان “المعسل” الخاص بأحدهم ، فلما إنصرف النادل بعد ان فشل في التلصص علي ما يقولون، عاد الرجال من جديد لحديثهم.

أول من عاود الحديث كان رجلاً في منتصف العمر بدا من هيئته انه من الموسرين ببدلته الداكنة وكراڤتته ال”ڤينشي”

يا معلم “حمامة” الوقت يداهمنا ولم نحرز أي تقدم في مجلسنا هذا، إن لم تكن تستطيع القيام بهذه المهمة صارحني القول وسأذهب من فوري الي المعلم “بلطية”

ملأ المعلم “حمامة” صدره بدخان البوري من أرجيلته وهو يعبث بجلبابه ثم قال وهو يزفر الدخان بعصبية:

يا سعيد باشا لا داعي لهذا الحديث ،  متي تأخر عنك المعلم “حمامة” سواءً في انتخابات مجلس الشعب أو في تصفية خصومك في السوق؟ كل ما في الأمر أن الزمن تغير والأمور أصبحت تتطلب بعض الحيطة والحذر، وإن الله مع الصابرين يا أخي

إنتفض “سعيد” باشا واقفاً وصاح بغضب:

ألا تفهم يا معلم “حمامة”؟

ثم إنتبه لصمت رواد المقهي الذين تعلقت عيونهم به. فجلس ودس وجهه بين كفيه وقال هامساً للمعلم “حمامة”:

أعذرني يا معلم علي توتري هذا. يا معلم إن إسمي علي رأس قائمة تضم ثمانون ألف من رجال الحزب من المطلوبين للتحقيق معهم في قضايا فساد و إستغلال نفوذ وتربح وإهدار للمال العام، أنا أحتاج لكسب كل وقت ممكن حتي أستطيع تغطية أوراقي و تهريب أموالي بعد بيع ممتلكاتي دون إثارة الشبهات، يا معلم النائب العام يتلقي يوميا مئات البلاغات ضدي، ولو إستقرت الأوضاع في مكتبه ُ، وتفرغ لنا فسأحل ضيفاً علي سجن “طره” في أقل من ساعة زمن

أبتسم المعلم “حمامة” وقد سره الخضوع والانكسار الذي بدا عليه “سعيد” باشا، رجل النظام القوي الذي طالما خضعت له الرقاب وذل أمامه أكابر القوم

لا تقلق، إن شاء الله خير، المعلم “حمامة” رجل يفهم في الأصول ولا يخذل محسور وقع في عرضه أبداً

إبتلع “سعيد” باشا الإهانة وقال وهو يشير الي الرجل الجالس الي جواره والذي بدا عليه عدم الإكتراث:

لقد أتعبني جداً هذا الصعلوك يا معلم “حمامة” ، ألا يوجد من هو أفضل للقيام بهذه المهمة سوي هذا ” البقف”؟

– يا “سعيد” باشا، “بيچامة” هذا أفضل صبياني، وهو ذو قلب ميت إذا طلب منه أن يقتل أمه سيفعلها وشرفك، كل ما في الأمر أنه بطئ الفهم بعض الشئ

ثم إلتفت المعلم “حمامة” وأمسك بأذن صبيه “بيچامة” فجذبها وقال:

أنتصت الي جيداً يا روح أمك ، سعيد باشا خلقه ضيق ، وهذه المصلحة مهمة جداً لي، فما قولك يالوح؟ ألا تحتاج المال؟

خلص الصبي “بيچامة” نفسه من قبضة المعلم “حمامة” وأخذ بتحسس أذنه التي إحتقنت بالدم من قبضة المعلم حتي صارت في لون الطماطم وقال بضيق:

محتاج يا معلم “حمامة” بالطبع، فأنا منذ إن إبتلينا بهذه الثورة والحال يزداد سوءً يوماً بعد يوم، لكن ما يطلبه الباشا كثير جداً، وكما تعلم رؤوف باشا ضابط المباحث الذي كان يرخي ستره علي قد أوقفته الثورة عن العمل بعد الأحداث، فصرت أنا بلا ظهر، ثم أن ما يطلبه الباشا حرام

إنتفض “سعيد” واقفاً وهمْ بالامساك بتلابيب “بيچامة” قبل أن يوقفه المعلم حمامه ويشير اليه بالجلوس

إهدئ يا باشا، ستلفت الأنظار الينا بعصبيتك هذه

ثم إستدار المعلم حمامة من جديد ونظر ل”بيچامة” شزراً وقال له:

من قال لك ان هذا حرام؟

فقال بيچامة:

  ساعة صلاة الجمعة وانا جالس علي القهوة ، سمعت شيخ الجامع  يقول ان حرق الكنائس حرام والإعتداء علي الأقباط حرام

نظر المعلم حمامة الي رابع المجتمعين وقال:

الشيخ عبد الباري سيرد علي هراء هذا الأزهري المخرف

ضحك “بيچامة” وقال:

عيب يا معلم “حمامة”،  نحن دفناه سوياً ، “عبد الباري” كان عجلاتي المنطقة ولطالما سرقنا الدراجات من المهندسين والدقي لحسابه، الرجل لص،  ماله كله حرام في حرام، يا رجل ،انه زوج زيزت الغانية

إحمر وجه الشيخ عبد الباري لكنه كتم غيظه ورسم الوقار علي وجهه وقال

إن الحمد لله والصلاة والسلام علي خير الإنام وبعد ، أما قولك يا “بيچامة” إني كنت لص فهذا صحيح، لكن إعلم يا هذا أني قد تبت توبة لو وزعت علي أهل الأرض لما بقي علي وجهها عاصي، وأما “الحاجة أم عصام”…..

قاطعه “بيچامة” بتهكم :

حاجة ؟ ومتي حجت “زيزت” الغانية إن شاء الله؟

إستطرد عبد الباري قائلاً:

لقد منٌ الله علينا بالحج في موسم الحج الماضي والحمد لله. ولقد تلقيت حين زيارتي تلك لبيت الله الحرام العلم علي يد شيخ جليل مما أهلني لأن أتولي شؤون زاوية الحي ولله الحمد

أطرق “بيچامة” وقال هامساً:

لامؤاخذة يا شيخ عبد الباري، كنت أظنك قد سافرت في موسم الحج لممارسة النشل كعادتك كل عام، مبارك لك التوبة ولعل الله يتوب علي انا ايضاً، فلم أعد أتحمل شظف حياة السجون.

إبتسم الشيخ عبد الباري وقال:

لا بأس يا “بيچامة” لا بأس لعل الله يكتب لك التوبة بجهادك مع “سعيد” باشا والمعلم “حمامة”

فغر “بيچامة” فمه وقال مندهشاً:

أي جهاد يا شيخ عبد الباري؟ انهم يريدون مني أن أحرق الكنيسة وأروع أهلها؟

تنحنح الشيخ عبد الباري وقال

يا “بيچامة” يا أخي، إن هؤلاء النصاري كفار و ينبغي علينا أن نطهر أرضنا منهم وإلا فلن يقبلنا الله أبداً

بدا علي “بيچامة” الإرتباك وقال:

لكنهم أقباط وليسوا نصاري

فقال الشيخ:

لا لا ، الأقباط هاجروا الي أمريكا وأستراليا وهولندا، أو ماتوا مثل عم “سمعان” ،  ولم يبق في مصر الا النصاري، وهؤلاء يهود لا عهد لهم ولا ذمه

زاد إرتباك “بيچامة” وقال:

أوهاجروا كلهم؟ كل الأقباط هاجروا مثل أخي “أوحه” أو ماتوا مثل أبي وأمي ؟ وهؤلاء يهود؟ يعني إسرائيليين؟

فهمس الشيخ من جديد وقال:

يا “بيچامة” ، اليهود طوائف ومجموعات كثيرة ، النصاري هم هجين من اليهود و الإسرائيليين ولعياذ بالله،  يا أخي هؤلاء هم من قتلوا كل أسيادنا

بدا الحزن وجه “بيچامة” وقال:

لم أكن أعلم أن سيدنا قد مات، البقاء لله، أو قتله هؤلاء الكلاب؟

أقترب الشيخ من “بيچامة” وقال:

يا أخي لقد قتلوا كل الصالحين و لم يكتفوا بذلك بل دأبوا علي خطف النساء وأجبارهن علي البغاء

فقال “بيچامة” دون تفكير

بغاء مثل زيزت؟

عض الشيخ علي شفتيه وقال:

نعم بغاء مثل الحاجة “أم عصام”

فقال “بيچامة”:

يا حول الله، إن كان الأمر هكذا فلابد من تأديب هؤلاء ، ومعهم الخائن شيخ مسجد الحكومة. أنا موافق يا “سعيد باشا”، إعتمد علي، أنا أحفظ هذه الكنيسة عن ظهر قلب وأعرف كل مداخلها ومخارجها، لن أفشل، فقط زد المبلغ الي خمسين ألفاً لي وخمسين أخري لأخي “مصطفي كخ” ، والدفع مقدماً

عندما مثل “بيچامة” هو و “مصطفي كخ” وخمسون أخرون أمام النيابة العسكرية بعد القبض عليهم في حادثة إحراق كنيسة إمبابة سأله المحقق عن إسمه.

فأجاب:

“بيچامة”

فإستشاط المحقق غضباً وصاح فيه:

إسمك الحقيقي يا روح أمك

تلعثم “بيجامة” وقال:

بنچامين

إتسعت عيني المحقق وقال:

أتدعي الجنون يا خفيف؟ دعك من هذا الهراء فلن ينطلي علي هذا الإدعاء، إسمك الثلاثي ولا تستثير غضبي

إبتلع “بيچامة” ريقه وقال

بنچامين سمعان تادرس يا باشا والمصحف

فقال المحقق دون تفكير

نصاراني؟

فإكفهر “بيچامة” وصاح غاضباً

لا يا باشا عيب تقول أني يهودي إسرائيلي،  أنا القبطي الوحيد الباقي في مصر

Single Post Navigation

One thought on ““بيچامة” في إمبابة – قصة قصيرة

  1. Mireille on said:

    Hehehehe, and this was the truth………..
    Well done ya Khaled very nice story…..

Leave a comment